الأحد، 3 يناير 2010

إلا إذا

2010

أشياء كثيرة أريدها منكِ أيتها السنة الجديدة: طموحات تتحدى سقف الممكن الواطئ، معجزات حرّة من رادع المنطق الضئيل، حاجات لا تقف عند حاجز الترف الوهمي، ومشاريع وآفاق لا تهددها، ولا تحطّ من عزيمتها، تهمة الجشع...
أشياء كثيرة أريدها، أقول وأردّد، عالياً وبوضوح، ولا غضاضة. بل أنا فخورة بطمعي، ومرتاحة معه، وفيه. ولكن، لا أنتِ ستكونين كريمة معي، على الأرجح، ولا أنا أظنني استحق كل ما أشتهي. لأجل ذلك سأحاول أن أكون عقلانية، وألاّ أطالبكِ بالمستحيل الذي يسكنني وسيظلّ، بمعزل عن قدراتكِ المحدودة وواقعيتي المزعجة.
هاكِِ إذاً يا سنة 2010 لائحة (بعض) توقعاتي منك، أقلّه تلك التي تحتمل الافصاح والاعلان:
أطالبكِ أولاً، وبأنانية منزّهة من شبهة الحرج، بأن تحفظي لي ولديَّ وعائلتي الصغيرة. إحفظي جيداً جداً هذا الطلب الذي لا رجوع لي عنه أياً تكن الأثمان، فهو شريان حياتي، وأحد مفاتيح قوتي الروحية. اجعليه شرياناً متدفقاً، وفعلاً متحققاً، بل قوةً منيعة، قادرةً على جبه المشقات والتحديات. واجعليه أعجوبة ينبوع متجدد لأتمكن من مواصلة السير في العاصفة، الى حيث يجب أن تصل كل أمومة.
أطالبكِ ثانياً، ببلادٍ تكون هي البلاد التي أنتمي اليها بقوة الاختيار، لا فقط بقوة الأمر الواقع وسجلّ القيد والهوية. أطالبكِ ببلادٍ تكون بيتاً للأمان لا للخوف والقلق العبثي، وبيتاً للأمل لا لليأس الإرهابي، وبيتاً للحرية لا للعبودية، وبيتاً للحياة لا للموت. بلادٌ كهذه البلاد، هي وحدها مطلبي وبلادي. وأريدها أن تكون هنا، فلا تبخلي عليَّ بهذا المطلب. وويلٌ لكِ، ولنا، أيتها السنة الجديدة، إذا كنا سنظل مقيمين في العراء المخيف الذي نقيم فيه.
أطالبكِ ثالثاً، بالأحلام، أيتها السنة الجديدة. حقّكِ عليَّ أن أحلم، وأن يكون كلّ حلم برهاناً كاملاً على قوة الخلق. وحقّي عليكِ أن ترعَي هذه الأحلام، وأن تتعهديها، وأن تحوطيها بما ينبغي للأحلام أن تُحاط به، ثم أن تعامليها بما تستحقّ من العناية، لكي عندما تبصر النور تجد طريقها الى التحقق المتخلص من التشوّه والعيب، فيكون هذا التحقق لا مكسباً شخصياً لي فحسب، وإنما لنا جميعاً. للناس. وللبلاد. ولكِ خصوصاً أيتها السنة الجديدة.
أطالبكِ رابعاً، بالوفاء. وهو الصدق. فلا تغدري. ولا تكوني مرائية. فليس أسوأ من الغدر. ولا أسوأ من الصدق الكاذب.
أطالبكِ خامساً، بالصداقة. بالوفية منها. والنبيلة. والمعطاء. وخصوصاً الصداقة المغسولة أيديها من كل نفاق وكذب ورياء ومصلحة ومؤامرة وانتهاز ورخص وسمسرة وطعن في الظهر والصدر.
أطالبكِ سادساً، بالحرارة. فإياكِ والفتور. وإذ أطالبكِ بهذه الحرارة، فلأنكِ قد تقعين في التحفظ منذ اليوم الأول. فإياكِ والإهمال. أو التردد. أو الـ بين بين. أو على طريقة الرِّجل في البور والرِّجل الثانية في الفلاحة. لا تخافي أن تكوني فاقعة. ووقحة. ولا تخشي البراكين ولا الثلوج، ولا "التطرّف" الذي فيهما، فهما أقلّ سوءاً من "ربيع" المراوحة والتؤدة.
أطالبكِ سابعاً، بالحب. بأكثره بأعمقه بأشدّه عصفاً وجنوناً وذهاباً فيه حتى الى الموت. فلا تخافي أيتها السنة الجديدة. لا تخافي الحبّ المفضي الى حيث لا رجوع. وإياكِ والحبّ على طريقة "الرائج" منه في غالبية الحيوات الزوجية.
أطالبكِ، أخيراً وليس آخراً، بالشعر أيتها السنة الجديدة. بالشعر أطالبكِ في القلب، في العينين، في الابتسامة، في العيش وفي الكتابة. لأنه هو ملاذي الأوحد، والأعظم، في وجه خيباتكِ الأكيدة.

جمانة حداد
(joumana.haddad@annahar.com.lb